حكم صيد البحر
وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى :
في بيان ما اختلف في حله من حيوانات البحر مع الاستدلال والترجيح :
هنا نبحث ما اختلف في حله من حيوان البحر .
قال الله سبحانه وتعالى : [ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَة ] (1) . المراد بالبحر الماء الكثير المستبحر الذي يوجد فيه السمك وغيره من الحيوانات المائية التي تصاد . وصيد البحر : كل ما صيد من حيتانه فالصيد هنا يراد به المصيد وأضيف إلى البحر لما كان منه وهذا يشمل كل ما يعيش فيه عادة وهو ضربان :
أحدهما : ما يعيش في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش المذبوح كالسمك بأنواعه .
الثاني : ما يعيش في الماء وفي البر أيضاً كالتمساح و السرطان . (2) .
وقد اختلف العلماء فيما يحل من حيوان البحر على أقوال :
القول الأول : حل جميع حيوان البحر وهذا قول المالكية – والأصح من مذهب الشافعية . (3) .
القول الثاني : حل جميع ما في البحر إلا الضفدع والتمساح والحية وهو قول الحنابلة (4) .
القول الثالث : جميع ما في البحر من الحيوان محرم الأكل إلا السمك خاصة فإنه يحل أكله إلا ما طفا منه وهذا قول الحنفية . ووجه في مذهب الشافية (5) .
القول الرابع : يؤكل السمك وأما غير السمك فيؤكل منه ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاة وغيرها – وما لا يؤكل نظيره في البر كخنزير الماء وكلبه فحرام وهذا وجه آخر في مذهب الشافعية (6) وقول في مذهب الحنابلة (7) .
توجيه كل قول من هذه الأقوال :
1 - وجه القول الأول : التمسك بعموم قوله تعالى : [ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ] قال ابن عباس : ( صيده ) ما صيد و ( طعامه ) ما قذف . وقوله صلى الله عليه وسلم ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) (..8...).
2 - ووجه القول الثاني : هو التمسك بعموم الآية السابقة [ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ] واستثنى الضفدع للنهي عن قتله (9) لأنه يدل على تحريمه عند من يراه واستثنى التمساح لأنه يأكل الناس والحية لأنها من المستخبثات .
3 - ووجه القول الثالث : فيما يرى تحريمه من حيوان البحر قوله تعالى : [ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ] حيث لم يفصل بين البري والبحري وقوله عز شأنه : [ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ] وما سوى السمك ( من حيوان البحر ) خبيث كالضفدع والسرطان والحية ونحوها (10) .
4 - ووجه القول الرابع : فيما يرى تحريمه قياس (11) ما في البحر على ما في البر ولأن الاسم يتناوله فيعطي حكمه .
فتلخص مما مر : أنه لا خلاف (12) بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه غير الطافي . وإنما اختلف فيما كان على صورة حيوان البر المحرم أكله كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان ونحوها .